هل من طريقة لتحفيز موظفي القطاع العام؟

خلال العقود الثلاثة الماضية حدث تغير هيكلي كبير في سوق العمل لدينا، شمل ذلك أولويات ورغبات طالب العمل السعودي فمن توجه كبير للوظيفة الحكومية وعدم إقبال على الوظيفة في القطاع الخاص إلى العكس، ومن تسنم غير السعوديين الوظائف القيادية في منشآت القطاع الخاص إلى بروز الكفاءات الوطنية وسيطرتها على معظم الوظائف فيها، ومن قلة اهتمام بالموارد البشرية إلى برامج كبيرة للتأهيل والتدريب المستمر تعتمدها معظم الشركات لدينا.
كان العمل في القطاع الخاص في ذلك الزمن غير مرحب به من المجتمع بشكل عام، بحجة أنه أقل قدراً ومنزلة من العمل الحكومي ، ولكن التطور الذي حدث في بنية الاقتصاد الوطني ونمو استثمارات القطاع الخاص بشكل كبير وتأسيس عشرات الشركات المساهمة، وتطوير المئات من الشركات العائلية، وتأسيس الآلاف من المنشآت الفردية غير تلك الصورة المغلوطة، وأصبح القطاع الخاص جاذباً، بل هدفاً لراغب الوظيفة والمتأمل أن يصبح الموظف الأكبر للخريجين وطالبي العمل في المستقبل.
ولا شك أن لمنشآت الأعمال دوراً كبيراً في تغيير تلك الصورة التي رسمت في مخيلة الكثيرين، حيث طبقت أساليب إدارية جديدة تختلف عما يطبق في القطاع الحكومي، وأصبحت وظائفها أكثر مرونة في مسألة التدرج الوظيفي وذات عوائد مالية أكبر، خصوصاً لفئة الوظائف المتوسطة والإدارية العليا وهي توفر بيئة عمل تحفز المبدعين بمرونة أنظمتها وسهولة إجراءات الترقي بها عكس بيئة العمل الحكومية التي لا تفرق بين المنجز والكسول ولا بين المنضبط في عمله الحريص عليه، والآخر الذي لا يتصف بذلك.
من هنا وحتى لا تتخلف الإدارة الحكومية عن الإدارة في القطاع الخاص ينبغي إعادة التفكير في طرق تحفيز الموظفين الحكوميين بما يكفل إطلاق طاقاتهم ورفع إنتاجيتهم وتحفيزهم على الإبداع وروح المبادرة التي لا غنى عنها في تطوير العمل ومواكبة التطورات السريعة في هذا الصدد.
إن نظام الخدمة المدنية المعمول به اليوم، خصوصا ما له علاقة بموظفي المراتب العامة، يحتاج إلى تطوير يكفل إتاحة فرص الترقية للمبدعين وعدم ربط ذلك بسنوات الخدمة أو الأسبقية التي أسهمت في تكلس الجهود وانخفاض الإنتاجية وتأخر إنهاء المعاملات أو عدم البحث عن طرق جديدة لإنهائها، لذا نعتقد أن معايير تقييم الأداء والكفاءة الوظيفية العادلة لها دور كبير في رفع إنتاجية الموظفين وهي تحفزهم على الإبداع، وتسهم في ارتفاع معدلات الولاء الوظيفي وانخفاض معدلات ترك الوظيفة، وهو ما ينبغي أن يركز عليه نظام الخدمة المدنية.
الفكر الإداري البناء والمبدع لا ينبغي ربطه بسلم يحد من بقاء من يحملونه في الوظيفة الحكومية، فالتسرب الوظيفي من القطاع العام إلى القطاع الخاص أمر ملاحظ، خصوصا في التخصصات المطلوبة من القطاع الخاص، وإذا ما تواصل هذا الأمر فربما يفرغ الإدارة الحكومية من الكفاءات التي تستطيع حمل الأعباء الضخمة فيها وإنجاز الخطط المرسومة التي تحقق تطلعات القيادة والمواطنين، خصوصا في الأجهزة الخدمية والاقتصادية.
كل ما نأمل أن تتساوى قيادات العمل العام والخاص في درجة الـتأهيل والتدريب وفي الحوافز كافة حتى لا تتعطل مشاريع التنمية من جهة، وحتى لا تتحمل موازنة الدولة أعباء إضافية بسبب ضعف الإدارة وقلة الخبرة والتمرس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق