الحاجة إلى استراتيجية عليا للتدريب بالمملكة

الحاجة إلى الخطة الوطنية للتدريب:

يستقبل سوق العمل المحلي على مدار العام أعداداً متزايدة من الباحثين عن عمل من مختلف الأعمار والمهارات والمؤهلات التعليمية، يتوقع أن توفرها لهم مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني بشقيه الأهلي والحكومي، ومنذ أن بدأت جهود التنمية تؤتي ثمارها منذ عقد السبعينات وحتى الآن لا يزال سوق العمل يستقبل من الأيدي العاملة الوطنية أفواجا ونوعيات ذات خبرات ومهارات متنوعة، ورغم حقها الطبيعي والمشروع في المشاركة في مسيرة البناء الاقتصادي والاجتماعي فإن أعداداً متزايدة من الباحثين عن عمل أخذوا يواجهون صعوبات كثيرة في الآونة الأخيرة من أجل الحصول على فرص العمل التي تتوافق مع ميولهم ورغباتهم أولاً والتي تناسب تخصصاتهم الدراسية ثانياً.

وبعد تشبع القطاع الحكومي بمختلف أنواع وتخصصات القوي العاملة والوطنية كان لابد أن يتجه خريجو مؤسسات التعليم والتدريب إلى القطاع الأهلي بحثاً عن فرص التوظيف المناسبة، وعليه فقد بدأت معالم مشكلة ضعف استخدام العمالة الوطنية تحديداً في القطاع الأهلي تبدو واضحة للمخططين وصانعي السياسات مما يستوجب اتخاذ كافة الوسائل الكفيلة لمعالجة هذا الأمر الذي يتسم بحساسية بالغة، ويكمن أحد أهم الأسباب التي يسوقها بعض أصحاب العمل لتبرير محدودية الطاقات التوظيفية للقوى العاملة الوطنية في ضعف مستويات التدريب لأفراد هذه القوى، وعدم مواءمة كثير من المناهج والتخصصات مع الاحتياجات الفعلية لسوق العمل، وأدى الوضع غير المقبول اجتماعيا إلى زيادة اعتماد شركات ومؤسسات ومنشآت القطاع الأهلي على القوى العاملة الوافدة يحفزها في ذلك توفر العديد من العوامل الملائمة يتمثل أهمها في رخص أجور العمالة الوافدة، وارتفاع إنتاجها، وتحملها للعمل الشاق، وسهولة استقدامها والتخلص منها ورغم الدعم غير المحدود الذي توفره أجهزة الدولة من اجل تسريع وتيرة سعودة المهن والوظائف، خاصة في القطاع الأهلي إلا أن برامج توطين الوظائف لا تزال تصطدم بكثير من العراقيل حتى أضحت القوى العاملة الوافدة تهيمن على نحو 86% من إجمالي المهن المتوفرة في القطاع الأهلي.

وبسبب غياب خطة وطنية للتدريب الشامل تحدد بدقة المهارات والخبرات الوطنية اللازمة خلال الفترة القادمة على مستوى التخصص والمهنة لمقابلة الاحتياجات التنموية وتحقيق أهداف التوطين والإحلال فقد يصبح من العسير ترجمة هذه الأهداف إلى الواقع الملموس. ولكي تكتسب الخطة الشاملة للتدريب قدراً كبيراً من الموضوعية ينبغي عليها تحديد أنواع ومستويات التدريب المراد توفيرها بغرض إيجاد الكفاءات والمهارات المطلوبة.

ولعله من المناسب هنا أن تستعرض بعض التساؤلات التي طرحتها الأكاديمية حول هذا الموضوع ونحاول الإجابة عليها:


1. هل يعتبر المجلس أعلى للتدريب الإطار العملي لإيجاد التنسيق المطلوب والفعال بين الأطراف ذات العلاقة بالتدريب بما يكفل استجابة سوق العمل ويحقق النتائج المرجوة؟

قد يكون من المناسب التفكير في إطار وطني على مستوى قيادي مثل المجلس الأعلى للتدريب حاليا ولكن ذلك يجب أن يكون مرتبطا بمنظومة شاملة من استراتيجية تنمية وتطوير الموارد البشرية بالمملكة، وتشمل نظامي التعليم والتدريب مجتمعين وتحت مظلة واحدة لضمان تكاملها وفعالية التنسيق بينهما فما ينقص التعليم يكمله التدريب ضمن الخطة الموحدة للتنمية البشرية وعلى افتراض أيضا استكمال عوامل نجاح هذه المنظومة مثل بناء نظام معلومات وطني شامل ومتطور يحصر تحت مظلة واحدة مركزية كل معلومات طرفي المعادلة أي العرض والطلب بمعنى حصر أعداد ونوعيات وتخصصات الخريجين من برامج التعليم والتدريب بالمملكة في مقابل احتياجات سوق العمل عبر ممثليه بالمجلس الأعلى علاوة على السياسات والبرامج التنفيذية المناسبة والصلاحيات والسلطات الإجرائية الملزمة التي تكفل نجاح تنفيذ الخطط الإستراتيجية.

2. هل فكرة إنشاء مجلس أعلى للتدريب في المملكة مجدية ولماذا؟

على الرغم من عدم وضوح الرؤية بشكل كامل حول هذا الأمر إلا أنني أتصور مبدئيا أن الفكرة بشكلها الحالي قد يكون ملائما متى تحققت الشروط المذكورة أعلاه ولكن يبقى ازدواجية الجهاز مع مجلس القوى العاملة حيث انه حاليا يفترض أن يقوم بذلك الدور ولكنه بسبب غياب تمثيل القطاع الخاص بالمجلس فان كثيرا من برامج وخطط المجلس لا تجد الدعم الكافي في سوق العمل. وللعلم فان من أساسيات علم التخطيط أن يتم إشراك كل المعنيين بالخطة والبرنامج في صياغتها وصنع القرار الخاص بها لمعرفة مرئيا تهم ومعالجة احتياجاتهم وبالتالي ضمان مصداقيتهم في تنفيذها بما يكفل النجاح الشامل. بطبيعة الحال هذه المنهجية تأخذ وقتا اكبر من المعتاد ولكنها الوسيلة الوحيدة الكفيلة بصدق التوجه في التطبيق لدى كل من تعنية الخطة أو يتأثر بها.

3. كيف يمكن التوفيق بين أطراف معادلة التدريب وسوق العمل؟

مفهوم التدريب هنا لابد له من توضيح، فهو عبارة عن مجهود علمي مبرمج بشكل محدد لرفع مستوى مهارة المتدرب من مستوى معين إلى مستوى أكثر تخصصا منه وفي إطار محدد لأداء مهمة محددة ا وشغل وظيفة معينة ومن هذا المفهوم نرى شدة التحديد في نطاق التدريب فلا يكون التدريب عاما مثل نظام التعليم العام أو العالي وهذا مما يعقد مسألة الموائمة بين نظام التدريب ومتطلبات سوق العمل. أي انه لابد من معرفة المطلوب من مهارات بشكل محدد للدخول إلى سوق العمل إلى وظيفة معينة ويتم تحديدها بمعرفة جهة اعتماد مهني أو وظيفي أو المجلس الأعلى للتدريب كما اشرنا آنفا ومن ثم يتم تصميم برنامج التدريب ( إن لم يكن متوفرا) من اجل دخول المتدرب إلى سوق العمل بمزايا تنافسية عالية تمكنه من الحصول على الوظيفة بنسبة عالية.

4. إيجاد نظام معلومات دقيق يربط بين الحاجة إلى التخصصات في سوق العمل وبين مخرجات هذه الأطراف بمعنى حصر التخصصات المطلوبة في سوق العمل خلال الخطة الخمسية للدولة وتحديد عدد الالتحاق لتلبية هذا الاحتياج. هل من تعليق؟

لقد كان هذا النظام المعلوماتي ولا يزال احد أهم ركائز التخطيط الوطني الشامل لتنمية الموارد البشرية في تصوري وقد كنت ولازلت أنادي باعتماده على المستوى الإستراتيجي للدولة مما يجعله متطلبا أساسا لكل قواعد المعلومات الحكومية ذات العلاقة، وهو بالمناسبة احد أهم توصيات رسالة الدكتوراة الخاصة بي والتي عنونتها " نحو خفض العمالة الأجنبية في المملكة العربية السعودية"، وقد اقترحت فيها إنشاء نماذج موحدة لتبويب وفهرسة المعلومات بأجهزة الدولة الإحصائية بشكل يسهل توحيد مدخلات العناصر الأساسية في عملية التخطيط وهي المعلومات فمن العلوم انه يستحيل التخطيط في غياب البيانات الدقيقة. وتأتي بعد ذلك الخطوة الأخرى والتي أشرت إليها أيضا في الرسالة وهو الجزء الخاص بسوق العمل فكما هو معروف حاليا أن الموظف الأساس بسوق العمل أصبح القطاع الخاص ولابد من حصر بياناته وعمل إسقاطات مستقبلية محدده لسنوات الخطة يمكن من خلالها للمخططين تحديد احتياجات السوق لفترة مستقبلية محددة يتم بناء على إثرها تحديد سقف القبول الأعلى في التخصصات المطلوبة خلال فترة الخطة وبذلك يتم تدارك الهدر في التعليم بمنع التخريج في التخصصات الغير مطلوبة بالسوق حتى لا تدخل ضمن منظمة البطالة أو من يبحثون عن عمل بالسوق.

المشكلة التي تواجه تطبيق نظام المعلومات هذا تتركز في أمرين: الأول تعدد جهات وفروع نظام التعليم والتدريب بمستوياته المختلفة في نفس الوقت الذي تختلف فيه مرجعياتها الإدارية مما يجعل التنسيق بينها يكاد يكون مستحيلا وخصوصا أن التعليم ليس مبنى يتم إنشاؤه سريعا ولا نظاما مروريا أو نظاما دوائيا يتم الحصول على نتائجه السريعة لتطبيق التجديد والتحديث فيه بل هو نظام بطبيعته بطيء الأستجابه للتغير بسبب تركيبته ويحتاج إلى سنوات عديدة لمعرفة نتائج السياسة المتبعة ومعرفة مدى جودة مخرجاتها من خريجين. الثاني تراجع اولويات التخطيط الوطني لهذا النظام بسبب وجود أمور أكثر إلحاحا وخطورة على المستوى الوطني مثل الاقتصاد والدفاع والأمن والتشريع والتجارة والعولمة وغيرها من الأمور المترابطة والملحة مما أخر الاهتمام بتطوير هذا النظام بالشكل المأمول ولكن تنامي مشكلة البطالة وتزايد الاهتمام بالسعودة كوسيلة لخفض البطالة ومكافحة الفقر سيعيد وضع قضية تطوير مثل هذا النظام المعلوماتي على طاولة الأولويات بشكل أو بآخر نظرا لاستحالة التخطيط الدقيق من دونه.
1. كيف يمكن التنسيق بين إصلاحات سوق العمل والسعودة والتدريب لتكون متوافقة مع الإصلاحات الاقتصادية السعودية؟

الحقيقة انه لدي تحفظ على عبارة إصلاحات سوق العمل والسعودة فهذه العبارة تفترض وجود نظام يدير سوق العمل وانه يحتاج الى اصلاحه من الفشل او الخلل الذي يعانيه وهذا غير صحيح فسوق العمل بالمملكة هو عبارة عن منظومة من القوى لعاملة والأنظمة والتشريعات والسياسات الخارجية وسياسة الاستقدام واستيراد العمالة الأجنبية وعناصر الأقتصاد الوطني من عرض وطلب على المهارات والقوى العاملة المدربة بمستوياتها المتفاوتة وكذلك نظام التأهيل على راس العمل لدى المؤسسات والمنشآت وكذلك محددات التدريب الوطني كجهة الأعتماد للمهارات المتعارف عليها بالسوق علاوة على تطور المعلومات ودقتها فيما يخص كل ماذكرته وهذا امر يستحيل ان تحكمه منظومة واحدة يمكن وصفها بالنجاح او الفشل ولكنها مجموعة من العناصر المتفاعلة بشكل ادى الى نتائج سلبية على تنمية الموارد البشرية الوطنية بكل اسف مما استدعى البحث عن وسائل لتلافي هذه النتائج السلبية وكذلك البحث عن طرق تزيد من كفاءة عمل هذه المنظومة. اما السعودة والتدريب فهما امران مختلفان وان كان هدفهما متلازما تقريبا فالتدريب هو مطلب وليس هدفا بذاته فهو كالدواء المطلوب منه كمية محددة فقط وهي التي تكفي لرفع مستوى المهارة الى الحد اللازم للتأهيل للوظيقة المطلوبه فقط، وهو بهيئتهة الحالية احد وسائل زيادة نسبة السعودة بسوق العمل ولكنها ليست الحل بكل تاكيد. ويبدو من السؤال انك تتوقع الأجابة على كل حال ان تكون بمركزية الجمع بين الطرفين وهما سوق العمل والسعودة فيه وكذلك التدريب ولكنك نسيت التعليم فنظام التعليم والتدريب بشقية العام والخاص هو منظومة واحدة من وجهة نظري وان اختلفت وتشعبت جهات تنفيذها، عموما اعود الى فحوى السؤال ومؤداه انني اعتقد بجدوى ايجاد جهاز مركزي للتعليم والتدريب بالمملكة يمتلك نظاما معلوماتيا متطورا يسمح له باعداد الخطط الملائمة للتنسيق بين الأصلاحات الاقتصادية وبين منظومة سوق العمل من اجل كفائة عملها وتميز ادائها.


2. ماهي انعكاسات التدريب وسوق العمل السعودي على التنمية وخططها المستقبلية؟

كما ذكرنا آنفا فان نظام التعليم و التدريب في تفاعله مع سوق العمل السعودي يشكل منظومة تحتاج الى جهاز مركزي يديرها بشكل فعال ويضمن استجابة الأول لمتطلبات الثاني حصرا ونصا حسب التخصصات المطلوبه ووفق خطة محددة والنتيجة المتوقعة لذلك هو نجاح خطط التنمية في تحقيق اهدافها الأستراتيجية بعيدة المدى ومتوسطة المدى من تطوير موارد المملكة البشرية وتحسين مستوى فعالية ادائها، وفي آخر المطاف فان المستفيد الأكبر من هذا التنسيق هو التنمية الوطنية وعلى رأسها التنمية البشرية بالمملكة.

وهنا اود ان انبه الى انه يتلازم التخطيط مع كل جهد موجه للفرد أو الدولة كسلوك تلقائي، ولكنه في غالب الأحيان لا يكون ذا أثر فعال إلا عندما يكون مجهودا هادفا من اجل التنمية الشاملة لرفاهية الفرد والمجتمع. ولعلنا نسترجع العناصر الرئيسة لهذا المجهود المسمى بالتخطيط حتى نرى وجه الصلة بينه وبين التنمية . فالتخطيط يعني الاختيار لمسار محدد من السياسات العامة كما يعني أيضا تخصيص ميزانيات وموارد معينة لإنجاز الخطط . التخطيط يعني أيضا تحقيق الأهداف المحددة لتناسب طموحات الدولة، كما يعني بالطبع التفكير المستقبلي لتحقيق الأهداف على مراحل حسب حجمها. بهذه العناصر يتضح لنا أن التنمية والتخطيط متلازمان فالتنمية هي أهداف طويلة المدى ويتم تحقيقها على مراحل عبر خطط تنموية محددة وتراجع بعد كل فترة. يبقى بطبيعة الحال تحديد مفهوم وشمولية التنمية وماذا يقصد بهذه الكلمة.
المفهوم الدولي للتنمية
إن مراجعة التراث العلمي حول موضوع التنمية تظهر لنا التنوع والتباين الشاسع في المفهوم للتنمية. فمن تحديد المفهوم تاريخيا بمدى تطور الدول في الجانب الصناعي وذلك يعود بشكل رئيس لكون كل من كتب عن التنمية ينتمي إلى مجموعة الدول الصناعية والذين يسمون أنفسهم بالعالم الأول .إلى تحديد المفهوم بتطوير قدرة الدول والشعوب على النمو و توفير وسائل العيش الكريمة من مصادر طاقة وانتاج وغذاء وكماليات وغيرها. وفي المقابل هناك المفهوم الاقتصادي الإداري للتنمية والذي يقول بأن التنمية الحقيقية للشعوب هي تلك التي تقوم على التطوير المركز للقدرات الخاصة والمهنة للفرد لأن البشر هم الثروة الحقيقة للشعوب. هناك أيضا التعريف المعرفي للتنمية والذي مفاده أن المجتمع ينمي مصادره البشرية بالتعليم والتدريب لأفراده من اجل التنمية في هذا المجتمع. أي أن التنمية الحقيقية تكون بالاستثمار في تطوير وتنمية الإنسان والذي بدوره يقوم بتنمية مجتمعه. ومن أجل ذلك ظهر تيار فكري حديثا يدعو لأعادة النظر في خطط التنمية الشاملة للدول على أساس أن هذه الخطط التنموية تصمم بحيث يكون الهدف الأساس هو التنمية البشرية بالمقام الأول وان التطور المادي والاقتصادي والصناعي يأتي بعد بناء قاعدة عريضة من ذوي التأهيل العالي من المواطنين. وقد تبنت بالفعل كثير من الدول هذا المسار مما أعاد خلط الأوراق فيما يسمى بتصنيف الدول تنمويا حسب المعايير الدولية السائدة والذي أدى بدوره إلى إيجاد معيار جديد لتصنيف الدول تنمويا.

التنمية البشرية والمعايير الدولية
يعتقد الكثير أن مؤشر التنمية هو في معايير التمدين أو المدينة وهو ما يعرف بالنمو الحضري و مدى ما تسجله الدول أو الأمم من علامات التنمية الحضرية المبنية بشكل خاص كالمدن والطرق والجسور والسدود والمطارات والمصانع وغيرها. و بذلك أصبح الإنجاز المادي هو المؤشر على التنمية في تجريد خالص للجانب المادي ناسين أو متناسين الجانب البشري و الذي هو الباعث الحقيقي لكل هذه المنجزات. و عليه فلعل من المناسب تحديد هذا المفهوم لدينا قبل الاسترسال في حديثنا هذا . فالتنمية الحقيقية كمؤشر للرقي البشري أو الحضاري تكمن في مدى نمو الجانب المعرفي و الخبراتي للإنسان، و لذلك فإننا نجد أن كثيراً من المنظمات الدولية حالياً قد اعتمدت أسلوبا حديثا لقياس نمو الدول، كما أسلفنا، يبعد عن المقاييس القديمة كالتصنيف السابق لدول العالم إلى دول نامية و دول متطورة و دول صناعية، او دول ذات تخطيط مركزي الخ. بل إن احدث مؤشر للتنمية اعتمدته هيئة الأمم المتحدة في عام 1990 هو مؤشر التنمية البشرية HDI . والذي يعتمد بشكل رئيس على الحالة التعليمية أو المستوى التعليمي للشرائح السكانية بالدول حسب معيار معين. وقد ظهرت بعد ذلك لبعض المنظمات الدولية ذات الأهداف الخاصة والغير رسمية أساليب أخرى متعددة لقياس التنمية في دول العالم تعتمد بشكل رئيس على عدد من المميزات البشرية منها الحالة التعليمية ومستوى المعرفة والحالة الاجتماعية والأسرية وغيرها من الخصائص السكانية الأخرى.
نخلص من هذا إلى أن المفهوم الحديث للتنمية لم يعد ذلك المفهوم الذي كنا نسمع به سابقاً من حيث تصنيف الدول بناء على دخولها أو مستوى مقدراتها أو تجهيزاتها الأساسية أو نسبة العمران بها ،الخ. بل اصبح المعيار هو الإنسان ومدى نموه وتطور في الجانب المعرفي والخبراتي ، محدداً بذلك المفهوم الجديد للتنمية وعلاقتها اللصيقة بالتعليم . و حيث أن التخطيط يعرف كما ذكرنا في أبسط صورة بأنه البحث عن أفضل الوسائل لتعديل وتحسين الوضع القائم للوصول إلى صورة مثلى في المستقبل بأقل ما يمكن من المصادر والموارد . فهو البحث عن الأفضل وهو السبيل العملي لتنفيذ التنمية ، فلا مبرر للتنمية إذا كان الوضع القائم محققاً للغرض ومستوفياً لمتطلبات المجتمع
من هذا يتضح التزامن الفلسفي بين التعليم والتنمية المادية المحسوسة والتي تعكس حقيقة التنمية البشرية عبر المنجزات المدنية والحضرية التي يقوم سكان المدن غالبا بإنشائها وهذا في اعتقادنا سبب الخلاف أو اللبس في العلاقة الجدلية بين التنمية والتعليم فأحدهما نتاج للأخر ولكنهما مرتبطان بشروط الاستيطان الحضرية وهي الأمن والغذاء والمسكن والتي أيضا يمكن توفيرها بشكل افضل عند تطوير مهارات الفرد، فهي كدورة مستمرة. وكما هو معرف انه لا يوجد تاريخ أمة أقامت حضارة وشيد ت منجزات لم تكن أصلا مستوطنة للمدن أو القرى على أقل تقدير. وهكذا نكون قد أوضحنا مفهومنا للتنمية وعلاقته الوثيقة بالتعليم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق