ما الأولوية.. إصلاح الرواتب والأجور أم التدريب والتأهيل؟

في الوقت الذي نتحدث فيه بشكل دائم عن أهمية تدريب وتأهيل موظفي القطاع العام لرفع سويتهم، نتساءل وبشكل جدي كيف يمكن الاحتفاظ بموظفينا بعد تأهيلهم دون اصلاح رواتبهم؟ وما الذي يمنع هؤلاء الموظفين بعد حصولهم على التأهيل والتدريب من الانتقال الى صفوف العمل في القطاع الخاص؟ وهنا طرحنا السؤال التالي أيهما أولاً التدريب والتأهيل أو اصلاح الرواتب والاجور، وما التأثير الذي يخلفه تدني الرواتب على بيئة العمل اولاً وعلى الاقتصاد ثانياً؟ الدكتور محمد توفيق سماق معاون وزير الصناعة رأى ان :"الاصلاحان مهمان فالتدريب والتأهيل مهم واصلاح الرواتب مهم أيضاً.أما اذا اردنا ترتيب الاولويات فأنا قناعتي أنه ليس فقط التدريب والتأهيل وانما أي اصلاح اقتصادي لن يعطي ثماره الا من خلال اصلاح الرواتب والاجور، لأن اهم حافز هوالاجر. فأي اصلاح وسيلته وهدفه الناس، وهؤلاء الناس حتى يكونوا فاعلين مع اي عملية اصلاح يجب ان يكون هناك حافز والحافز الاساسي هو الاجر، لذا برأيي ان اصلاح الرواتب هي قضية مفتاحية في اي عملية اصلاحية". ‏ ويضيف سماق:" انا لن ارتب الاولويات لأنه يجب ان نفكر بالاثنين دون شك، المشكلة في اصلاح الرواتب أنه تواجهنا دائماً قضية توفر الموارد اللازمة. لكن متى كانت الموارد متاحة علينا ان نعمد الى اصلاح الرواتب ولو بشكل جزئي. وهذه الاجزاء تتراكم مع الزمن وتؤدي الى وضع افضل للرواتب والاجور وهذا سيساعد عملية الاصلاح." ‏ رأي الخبراء ‏ الخبير الاقتصادي سمير سعيفان رأى أن "التدريب والتأهيل والرواتب والأجور مسألتان مترابطتان وليستا متضادتين، ولا يمكن البدء بواحدة وتأجيل الأخرى، لأن الأجور عموماً هي انعكاس للإنتاجية كماً ونوعاً، والتدريب يسهم مباشرة في رفع الإنتاجية. من دون زيادة الإنتاجية لا يمكن زيادة الأجور، غير أن سياسة جيدة للأجور تسهم في زيادة الإنتاجية والعكس صحيح. ‏ لا يمكن للدولة أن تهتم بالتدريب وإعادة التدريب دون أن يكون لديها برنامج متكامل يضمن انعكاس التدريب على زيادة الإنتاجية وتحسين المردود، فالتدريب لوحده يسهم في زيادة الإنتاجية شريطة اقترانه بتوافر عوامل الإنتاج الأخرى على نحو مناسب من تكنولوجيا ومواد أولية وتنظيم جيد ومناخ إنتاج جيد وقدرة على التسويق وسياسة تشغيل وأجور مناسبة وغيرها. زيادة الأجور في الدولة بدون اقترانه بزيادة الإنتاجية وتحسين مردود العمل الإداري سيكون له في النهاية منعكسات سلبية لأنه يسهم في اختلال التوازن بين العرض والطلب ويسهم في التضخم، وهذا ما لحظناه في السنتين الأخيرتين." ‏ ويجد سعيفان ان:"تدريب العاملين في الدولة بدون زيادة أجور المتدربين غير ممكن لأن المتدرب حينها سيجد فرص أكبر بأجور أعلى في القطاع الخاص المحلي أو في الخارج، وهذه مشكلة تواجه الدولة بحدة. وبما أن الدولة بحاجة لتدريب مكثف لرفع قدرة أجهزتها على العمل بكفاءة أكبر تتناسب واحتياجات الإصلاح الاقتصادي، وبما أن التدريب عادة مرتفع التكلفة، إذاً لا يمكن للدولة أن تحافظ على كادراتها المدربة بدون سياسة أجور جديدة. والإنفاق على التدريب بدون دراسة شاملة وسياسة جديدة للأجور والتعويضات سيعني إنفاقاً بدون مردود أو ربما مردود على الغير. مثلاً كيف نؤهل كادراً في المصارف الحكومية إلى المستويات المعاصرة ثم نبقى ندفع له 10 أو 15 ألف ل.س شهرياً وهو يشغل رئيس قسم أو مدير فرع مصرف بينما يأخذ مثيله في القطاع الخاص 75 ­ 150 ألف ليرة سورية شهرياً؟؟ ولا نتحدث هنا عن كوادر ومديري المصارف الخاصة من غير السوريين الذين تصل رواتبهم حتى عشرة آلاف دولار شهرياً. ‏ درجت الدولة على رفع الأجور والرواتب على نحو خطي للجميع بدون أن تهتم بالتمايز بين الأعمال والكفاءات والمسؤولية في العمل، وبالتالي بقيت عيوب نظام الأجور والرواتب تتكرر دون إصلاح رغم الزيادات الثلاث التي تمت خلال السنوات القليلة الماضية، ورغم تعديل قانون العاملين في الدولة، والآن يتم الحديث عن زيادات بنفس الاتجاه." ‏ وحول ضرورة وجود سياسة جديدة للاجور أضاف:"أعتقد أن إصلاح الأجور والرواتب أهم بكثير من زيادتها على النحو الخطي السابق. المطلوب رسم سياسة جديدة للأجور والرواتب توسع قوس الرواتب بين الحدين الأعلى والأدنى لتصبح عشرة أضعاف بدلاً من ثلاثة أضعاف ونصف، لأن الفروقات بين تأهيل العاملين وبين شهاداتهم وتدريبهم وكفاءاتهم وأدوارهم في عملية الإنتاج واختلاف ظروفهم تزيد عن عشرة أضعاف. يضاف لإصلاح الأجور إصلاح التعويضات والحوافز بزيادتها وجعلها عادلة تتناسب وأهمية العمل والمسؤولية وظروف العمل، فهي الأخرى أكثر أهمية من الأجور، وهي أكثر ارتباطاً بطبيعة العمل وبالإنتاجية، وتسهم في حصول المشتغل على تعويض عادل، أما كما هي الآن فهي ظالمة وضارة بعملية الإنتاج. طبعاً سياسة تعويضات جديدة تتطلب تطبيقاً كفؤاً فعالاً وليس بيروقراطياً كما هو الآن. ‏ على الدولة أن يكون لديها رؤية جديدة لاقتصاد قوة العمل ولسياسة قوة العمل ومن ضمنها سياسة جديدة للتدريب والتأهيل وللأجور والرواتب وللتعويضات، وبدون ذلك ستبقى الأزمة قائمة. ‏ بالمناسبة نكثر من الحديث عن عيوب سياسة الأجور والرواتب في القطاع الحكومي ونهمل الحديث عن القطاع الخاص رغم أن قوة عمل الحكومة تشكل نحو 52% فقط من قوة العمل. وأعتقد أن هذه المسألة يجب أن تلقى اهتماماً أكبر، فعيوب نظام الرواتب لدى القطاع الخاص أكبر من عيوب الدولة." ‏ اما الدكتور الياس نجمة الاستاذ في كلية الاقتصاد فقد قال في دراسة أعدها:" ان انخفاض الاجور ادى الى التقاعس والفساد والتستر عن الخطأ وعدم المحاسبة بسبب الوضع المعاشي للمقصرين كما زاد من كلف المشاريع لأن انخفاض الاجر عن المستوى اللازم لتغطية النفقات الاساسية والضرورية لأصحابه ينعكس مباشرة على سوية الانتاج والانتاجية كون زيادة الانتاج ورفع مستوى الانتاجية يرتبط الى حد كبير بمستوى الاجور وارتفاعها. الآن عدد العاملين بأجر يبلغ حوالي 60% من مجمل العاملين في القطر ولا ينالون اكثر من 25% من الناتج المحلي الاجمالي علماً ان هذه النسبة تصل الى 50 ­70% في معظم دول العالم وان ايجاد حل لهذه المسألة اصبح ضرورة ملحةلأن الوضع الحالي يصعب الاستمرار فيه دون المساس بمستوى اداء العاملين بأجر سواء لدى الدولة او في اطار المجتمع كله ودون المساس بعدالة التوزيع التي اعتمدها مجتمعنا ووطننا واعتبرها احد الاساسيات التي يقوم عليها نظامنا الاقتصادي والاجتماعي." ‏ ويتساءل نجمة:"لماذا يستطيع بلد كلبنان والاردن وتونس والمغرب وضع سياسة للرواتب والاجور معقولة تحافظ على حقوق أصحاب قوة العمل في مواجهة أصحاب رأس المال ولا نستطيع نحن القيام بذلك؟" ‏ كلمة أخيرة ‏ من دون شك فإن الاصلاح يأتي بشكل متكامل وليس مجزءاً، ولا يمكن فصل أهمية تدريب وتأهيل الموظفين عن اصلاح الاجور كما لا يمكن فصل هذين الاصلاحين عن الاصلاحات الاقتصادية الاخرى المختلفة، فكلها اصلاحات متكاملة وضرورية ولا يمكن ان نبدأ بواحد منها دون الآخر. ‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق