المملكة العربية السعودية وتحديات تقنية المعلومات



عبد العزيز بن حمد السلّوم *


أصبح من الضروري علينا العمل بشكل جاد للانتقال بالسعودية إلى الاستخدام الحقيقي لتقنية المعلومات وجني ثمارها، ومن الواضح تماما أن هنالك توجيها طيبا في المملكة وعلى أعلى المستويات نحو إيجاد حلول وتطبيقات تقنية المعلومات في مختلف القطاعات، الحكومية منها أو الخاصة، بغرض الارتقاء بأداء الأجهزة بالمملكة ودفع عجلة الاقتصاد والتطور التكنولوجي الحديث فيها وجعلها من الدول الرائدة في هذا الميدان على الصعيدين الإقليمي والعالمي. وبحمد الله تتمتع المملكة بامتلاكها للكثير من المميزات الاقتصادية والجغرافية والسكانية التي تؤهلها لذلك وأكثر. إلا أن هنالك عددا من المشكلات الحالية التي تعيق انتشار تطبيقات أعمال التجارة الإلكترونية في بيئة العمل السعودية، ينبغي علينا التنبه لها وتشخيصها بشكل دقيق، تمهيدا لاستئصالها والعمل على المضي قدما في تطوير استخدامات تقنية المعلومات بشكل جدي في المملكة. على رأس هذه التحديات، إن صح التعبير، مسألة اتخاذ القرار عندما يتعلق الأمر باستخدامات تقنية المعلومات وحلولها داخل المؤسسات الحكومية على وجه التحديد والمؤسسات الخاصة بشكل عام. إذ يلاحظ أن هنالك مشكلتين تنتجان عن ذلك، الأولى ضعف المبادرة في اتخاذ القرار لتنفيذ مشروع حيوي هام باعتماد تقنية المعلومات يتيح توفير الملايين من الريالات لمؤسسات الدولة ويزيد من إنتاجيتها. ويبدو أن السبب في ذلك يعود إلى عدة عوامل أهمها عدم المعرفة بهذه الحلول، وبالتالي جهل فوائدها، والإنسان بطبيعته عدو ما يجهل. من هنا، علينا بذل المزيد من أجل زيادة الوعي بأهمية حلول تقنية المعلومات في المؤسسة السعودية، وتغيير الفكرة السائدة بأن تقنية المعلومات لا تعدو عن كونها ترفا اختياريا يمكن الاستعاضة عنه، فهي ضرورة اقتصادية ملحة وواجبة علينا إن أردنا النهوض باقتصادنا الوطني وتدعيمه. أما المشكلة الثانية المتعلقة بضعف استخدام تنقية المعلومات، فتأتي على الطرف الآخر والمعاكس لما سبق. إذ هنالك حالة من قلة المتابعة وتحديد المسؤوليات والتبعات لمتخذي القرار. ففي الوقت الذي أشجع فيه صناع القرار على اتخاذ قرارات الاعتماد على مشاريع تقنية المعلومات، أشدد على أن هذه القرارات ينبغي أن تكون مدروسة بعناية وتتمتع بجدوى اقتصادية تبرر الإقدام عليها في المقام الأول. من هنا، يلاحظ أنه في القطاع العام في المملكة تحديدا، لا توجد في الواقع متابعة فعلية لهذا النوع من القرارات ومعرفة ما إذا كانت قد حققت الفائدة المرجوة منها أم لا. وعند اكتشاف عدم تحقيقها للفائدة الفعلية لها، فأن أقصى ما يمكن عمله قيام الموظف المسؤول بتحويله لإدارة أخرى ثم ينتهي الموضوع. النقطة الهامة التي أحب توضيحها تتمثل في مطالبتي لمؤسسات القطاع العام أن تتبنى منهجا جديدا تماما في التعامل مع مشاريع تقنية المعلومات، ومن ذلك تبنى نظاما داخليا يعتمد الحوافز المجزية للموظفين الذين يحققون إنجازات ملموسة وغير عادية في هذا الميدان، مع اعتماد عقوبات فعلية أيضا للذين لا يقومون بأداء مهامهم على الوجه المطلوب. من ناحية أخرى، ما زالت دوائر القطاع الحكومي تعتمد على مفهوم المناقصات العامة بالظرف المغلق عند تقديمها لأي مشاريع ذات طابع تقني يتعلق بتقنية المعلومات. وبالرغم من أن هذه طريقة فاعلة ومعتمدة في الكثير من بلدان العالم، إلا أنها قد لا تكون مفيدة لدينا VG99ا يتعلق الأمر بتقنية المعلومات. فهي تعتمد لدينا كوسيلة للتنحي عن مسؤولية اتخاذ القرار للاعتماد على تقنية معينة تختلف عن غيرها، ومرة أخرى يعود السبب في ذلك إلى انعدام المعرفة التقنية من جهة، مع قلة الدافع النفسي والوظيفي الذي يشجّع صناع القرار على اتخاذ الأفضل. ومع أن هنالك نسبة كبيرة من الشباب السعودي يعملون في قطاع تقنية المعلومات، إلا أن البرامج التدريبية المؤهلة للاستخدام الفعلي لتلك المهارات المحلية، مع الأسف، شكلية للغاية. إذ أن هذه الدورات لا يتم اعتمادها من أية جهة رسمية ذات صلة بقطاع الأعمال، وإن كانت تتم وفقا لموافقات من مؤسسة التعليم الفني والتدريب المهني، لكن دور الأخيرة في العملية لا يتعدى سوى الموافقة. والمؤسف أيضا، أن هذه الدورات تستخدم في القطاع الحكومي تحديدا كوسيلة لكسب المزيد من النقاط للترقية في السلم الوظيفي ليس إلاّ. والدليل على ذلك أن الكثير من الموظفين يأخذون دورات لا تمت بأي صلة لاختصاص عملهم الدقيق داخل المؤسسة. من هنا، حريّ بالمؤسسات الحكومية في المملكة أن تنتبه لهذه القضايا وتعمل بشكل جدي على استئصالها. والخطوة الأولى في هذا السبيل، تحفيز الموظف السعودي، بشكل حقيقي، على العمل في تقنية المعلومات والابتكار في سبل استخداماتها داخل المؤسسة لرفع مستوى الإنتاجية وزيادة الكفاءة. ومعلوم أن هنالك بالفعل الآن في نظام الخدمة المدنية حوافز تقنية معلومات تبلغ 25 بالمائة من الراتب، إلا أنها تُخصص للموظفين وفقا لدرجاتهم الوظيفية، وليس وفقا للكفاءات الفعلية أو للعمل الذي تحقق. الجانب الهام الآخر هو الصلاحيات. إذ ينبغي منح صلاحيات أكثر لمديري أقسام تقنيات المعلومات في المؤسسات الحكومية بغرض إيجاد فرصة اكثر لهم للابتكار والإبداع. على أنه من المهم أن يدرك هؤلاء المديرون أن في حال فشلهم في اعتماد الأفضل، سيعرضون أنفسهم لفقدان العديد من المزايا ومن ذلك الوظيفة، كما هو الحال مع القطاع الخاص. إذ أن التنافسية المعدومة نسبيا في القطاع الحكومي آفة خطيرة يجب تشخصيها ومعالجتها. من ناحية أخرى، على التدريب التقني الذي يتلقاه الموظف السعودي أن يكون فعليا وذا صلة بواقع العمل واستخدامات التقنية اليومية، وليس مجرد إجراء شكلي لأغراض. وعلى الجهات المانحة لهذه الشهادات، والتي وإن كانت تعمل ضمن موافقات من الجهات الرسمية وتسعى إلى تحقيق الربحية وهذا مشروع، أن تكون خاضعة لطرف ثالث كأن يكون وزارة التجارة أو غرفة التجارة أو غيرهما لضمان تحقيق علاقة جدوى منطقية بين الشهادة التي حصل عليها الموظف وبين اختصاصه وطبيعة عمله داخل المؤسسة، وذلك عبر إخضاعه أو إخضاعها إلى اختبار محايد تماما وفقا لأرقى المقاييس المعتمدة في هذا السياق.
وخلاصة القول: علينا العمل بشكل جاد للانتقال بالمملكة إلى الاستخدام الحقيقي لتقنية المعلومات وجني فوائدها العديدة، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق