البعد الإداري في شخصية خادم الحرمين الشرفين

ملخص البحث. ناقشت الدراسة تساؤلا رئيسا وهو توافر البعد الإداري في شخصية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، لذلك ركزت الدراسة على إبراز الشخصية القيادية لخادم الحرمين الشريفين مع التركيز على مدى توافر البعد الإداري لها وذلك من خلال الفحص المتأني والدقيق للمنجزات الإدارية خلال عقدين من الزمن. تم استخدام المنهج المسحي الوصفي لهذه الدراسة، كما تم الحصول على المعلومات من المكتبة وذلك عن طريق الكتب والمجلات العلمية والوثائق الحكومية.
وقد خلصت الدراسة إلى أن البعد الإداري في شخصية خادم الحرمين الشريفين متوافر ويمكن التعرف عليه من خلال التطور الكمي والنوعي للأجهزة الحكوميــة والمكتسبات الحقيقية لهذا القطاع، إضافة إلى ذلك فإن التركيز على استثمار العنصر البشري الوطني من خلال التعليم والتدريب، كان أهم سمة لشخصيته يحفظه الله. وتوصي الدراسة في النهاية بضرورة دعم الجامعات والمعاهد المتخصصة لعمل مثل هذا النوع من الدراسات الذي يعكس منجزات القيادة الوطنية وتميزها على الصعيد الإداري.

مقدمـة
تعتبر القيادة محورا مهما ترتكز عليه مختلف الأنشطة في جميع المنظمات سواء كانت عامه أم خاصة، ومع ازدياد وتطور نشاط الدولة في جميع المجالات تصبح القيادة الحكيمة الواعية مطلبا ضروريا لترشيد سلوك الأفراد وحشد طاقتهم وتعبئة قدراتهم وتنسيق جهودهم وتنظيم أمورهم وتوجيههم الوجهة الصحيحة نحو تحقيق الأهداف والغايات.
من هنا تأتي هذه الدراسة التي تبحث في الشخصية القيادية لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ومدى توفر البعد الإداري بها، ولتحقيق ذلك تقوم الدراسة على أساس إخضاع حوادث معينه وقرارات تم اتخاذها للتدليل على وجود هذا البعد.

أهمية البحث
تنبع أهمية البحث من الناحية العلمية والعملية، فمن الناحية العلمية يمثل هذا البحث دراسة جادة نحو التعرف على وجود البعد الإداري في شخصية خادم الحرمين الشريفين بأسلوب علمي صحيح، ومن الناحية العملية تمثل الدراسة بداية الانطلاق نحو تزويد الدارسين في الجامعات السعودية والعربية بأمثلة حيه من واقع قياداتهم وهذا سوف يكون له أكبر الأثر إن شاء الله في مزج الناحية النظرية بالناحية التطبيقية.

منهجية البحث
سوف يتم استخدام الأسلوب المباشر في هذا البحث وذلك بالرجوع إلى القرارات الصادرة والأحداث التي مرت خلال عشرين عاما من عام 1402-1422هـ وإخضاعها للبحث للتأكيد على توفر البعد الإداري في الشخصية.
القيادة الإدارية
هناك تعاريف متعددة للقيادة منها:
يعرفها أوردي تيد بأنها "النشاط الذي يمارسه الشخص للتأثير على الآخرين وجعلهم يتعاونون معه لتحقيق هدف يرغبون في تحقيقه
ويعرفها لكيرت بأنها المحافظة على روح المسئولية بين أفراد الجماعة وقيادتها لتحقيق أهدافها المشتركة (Likert, 1961, 11).
ويعرفها مكريجر بأنها تأثير شخصي متبادل يظهر بوضوح في حالات معينة ويوجه من خلال وسائل الاتصال بين الرئيس والمرؤوس نحو تحقيق الأهداف المنشودة ( McGregor, 1960:15 ).
إذن يتضح من التعاريف السابقة أن هناك عناصر أساسية للقيادة هي:
1- وجود مجموعة من الأفراد يعملون في تنظيم معين.
2- قائد من أفراد الجماعة قادر على التأثير في السلوك وتوجيه المجموعة.
3- هدف مشترك تسعى الجماعة إلى تحقيقه.
وإذا كان هذا هو التعريف والعناصر للقيادة فما هي نظرياتها؟ هناك الكثير من الكتاب الذين ناقشوا نظريات القيادة ولهذا نجد أن هناك تعددا في هذه النظريات بحسب الطريقة التي اختار بها الكاتب الكتابة عن هذه النظريات ولكن هناك اتفاق على أن نظريات القيادة يمكن إجمالها على النحو التالي: نظرية السمات، ونظرية الموقف، والنظرية التفاعلية.

أولا: نظرية السمات
تركز هذه النظرية على السمات التي يتمتع بها الفرد داخل مجموعته التي تجعل منه قائدا عمليا فالسمات الشخصية هي التي تصنع القيادة ويرى أصحاب هذه النظرية أن الله سبحانه وتعالى قد منح قلة من الأشخاص بعض الخصائص والسمات والمميزات التي لا يتمتع بها غيرهم وهذه السمات هي التي تؤهلهم لقيادة المجموعة والتأثير في سلوك أفرادها وإضافة إلى هذه السمات يرى أنصار هذه النظرية ضرورة توفر مهارات معينه للقائد مثل المهارات الفنية والمهارات الإنسانية والمهارات الذهنية (النمر وآخرون، 1422هـ، 315).

نظرية الموقف
ترى نظرية الموقف أن القيادة ليست مرتبطة بالسمات الشخصية للفرد فقط وإنما ترتبط بالموقف الإداري على أساس أن عوامل الموقف والمتغيرات المرتبطة به هي التي تحدد السمات التي يمكن أن تعزز مكانة ومركز القائد (السواط وآخرون، 1416هـ، 179).

النظرية التفاعلية
تركز النظرية التفاعلية على الجمع بين النظريتين السابقتين نظرية السمات ونظرية الموقف فالقيادة الناجحة في هذه النظرية لا تعتمد على السمات التي يتمتع بها القائد في موقف معين ولكن تعتمد على قدرة القائد في التفاعل مع أفراد الجماعة فالسمات التي يملكها قائد في موقف معين كالذكاء وسرعة البديهة والحزم والمهارة الإدارية والفنية التي اكتسبها لا تكف لظهور القائد بل لا بد من اقتناع الجماعة بهذه السمات والقدرات فهي ضرورية من وجهة نظرهم لتحقيق الأهداف والغايات (كنعان، 1985م، 373 ).

أهمية القيادة الإدارية
لا يختلف اثنان على أهمية القيادة الإدارية في أي مستوى إذ إنها بمثابة الرأس للجسد وتظهر أهميتها كلما زاد حجم المنظمة أو كبر حجم الدولة وزادت مشاريعها. ويمكن إجمال أهمية القيادة الإدارية في النقاط التالية:
1- إن القيادة الإدارية تحول الأهداف إلى نتائج ملموسة.
2- إن القيادة الإدارية مهمة لكي تساهم وظائف الإدارة في تحقيق أهداف المنظمة.
3- إن القيادة الإدارية مطالبة بوضع تصور مستقبلي للمنظمة وإعداد المنظمة لذلك.
4- إن القيادة الإدارية عامل مهم في التأثير وتحفيز الأفراد (درويش، 1988م، 107).
بعد أن تم إلقاء الضوء على القيادة الإدارية من حيث المفهوم والأهمية والنظريات نحاول أن نتعرف على البعد الإداري في شخصية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود وذلك بالتعرض لأهم الأحداث والقرارات التي تدعم وجود هذا البعد، ولكن قبل ذلك لابد من تقديم لمحة تاريخية عن خلفية خادم الحرمين الشريفين العلمية والعملية.

الخلفية التاريخية
ولد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود في عام 1343هـ/1924م، وقد نشأ في بيت المؤسس وفي ظل رعاية والده الملك عبد العزيز وقد تلقى علومه في صغره بمدرسة الأمراء في مدينة الرياض ثم التحق بالمعهد العلمي الذي يُعنى بتدريس العلوم الدينية واللغة العربية.
ثم بعد ذلك بدأ والده وإخوانه من بعده الملك سعود والملك فيصل بتدريبه عمليا وذلك من خلال إسناد الأعمال الفعلية التي بدأ يمارسها ومنها:
1- كان عضوا في وفد المملكة العربية السعودية إلى الأمم المتحدة في نيويورك للتوقيع على ميثاقها و افتتاح أعمالها عام 1365هـ/1945م.
2- ترأس وفد المملكة إلى اجتماع الدول العربية في دورته الثالثة والثلاثين في لبنان عام 1380هـ/1960م.
3- ترأس وفد المملكة العربية السعودية إلى بريطانيا عام 1390هـ/1970م.
كما قام خادم الحرمين الشريفين بتولي الرئاسة العليا لعدد من المجالس والهيئات المسئولة عن أهم القطاعات في المملكة وهي:
1- المجلس الأعلى للبترول والمعادن.
2- المجلس الأعلى للجامعات.
3- الهيئة الملكية للجبيل وينبع.
4- المجلس الأعلى لسياسة التعليم.
5- المجلس الأعلى لرعاية الشباب.
6- اللجنة العليا لشؤون الحج.
7- الهيئة الملكية لتطوير المدينة المنورة (العتيبي، 265؛ 267، 1419هـ).
إذن يتضح من الخلفية التاريخية لخادم الحرمين الشريفين أنه تلقى تعليما وتدريبا عمليا مكنه من ممارسة مهامه حينما تمت مبايعته ملكا على المملكة العربية السعودية في 12/8/1402هـ. وهذه الخلفية العلمية والتدريبية ساعدته بعد إرادة الله عز وجل أن يركز على النواحي الإدارية في الدولة ويقوم بتطويرها سواء على مستوى الأجهزة الحكومية أو الموارد البشرية أو النظام الأساسي للحكم أو على مستوى إدارة الأزمة. وسوف نقوم بالتعرض لكل بعد من الأبعاد المذكورة سابقا للتدليل على وجود البعد الإداري في شخصية خادم الحرمين الشريفين.

أولا: الأجهزة الحكومية
ركز خادم الحرمين الشريفين على هيكلية الجهاز الحكومي وقام بالتوجيه بإنشاء الأجهزة الحكومية طالما كانت هناك حاجة لها، فنجد أنه تم خلال العشرين سنة الماضية إنشاء عدد كبير من الأجهزة الحكومية سواء على مستوى الوزارات أو المؤسسات العامة أو الهيئات، ونورد فيما يلي أسئلة على ذلك:
(أ) الوزارات
1. 1- تم إنشاء وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد عام 1414هـ.
2- تم إنشاء وزارة الخدمة المدنية عام 1420هـ.
2. 3- تم إنشاء وزارة المياه عام 1422هـ.
(ب) المؤسسات العامة
3. 1- تم إنشاء المؤسسة العامة للصناعات الحربية عام 1406هـ.
2- تم إنشاء الهيئة الوطنية للحياة الفطرية وإنمائها عام 1405هـ.
3- تم إنشاء جامعة الملك خالد عام 1419هـ.
4- تم تحويل مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث إلى مؤسسة عامة عام 1422هـ.
(جـ) الهيئات
1- تم إنشاء الهيئة العامة للسياحة عام 1420هـ.
4. 2- إنشاء المجلس الاقتصادي الأعلى عام 1420هـ.
5. 3- إنشاء هيئة المساحة الجيولوجية عام 1420هـ.
6. 4- تم إنشاء الهيئة العامة للاستثمار عام 1421هـ.
5- إنشاء المجلس الأعلى لشئون البترول والمعادن عام 1421هـ (الشقاوي، 1422هـ).

ثانيا: الموارد البشرية
انصب اهتمام خادم الحرمين الشريفين بالموارد البشرية الوطنية على جانبين: الأول التعليم والثاني التدريب.
(أ) التعليم
تم التوسع في مراحل التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي للطلاب والطالبات ليبلغ عددهم في عام 1997م أكثر من 4 ملايين طالب وطالبة. وبالنسبة للتعليم الجامعي فقد كان له نصيب وافر، إذ تم التوسع في تخصصات الكليات وفي زيادة الطاقة الاستيعابية للكليات وتم تتويج الدعم لهذا القطاع بإنشاء الجامعة الثامنة وهي جامعة الملك خالد بأبها عام 1419هـ.
(ب) التدريب
تم التركيز في التدريب على عدد من الأوجه:
أولا: تدريب الموظفين الحكوميين: ويقوم به معهد الإدارة العامة في المركز الرئيس بالرياض وفرعاه بالمنطقة الغربية والمنطقة الشرقية لتدريب جميع موظفي الدولة وذلك من خلال دورات منظمة تهدف إلى رفع كفاءة وفاعلية الموظف.
ثانيا: تدريب الكوادر البشرية السعودية: وذلك من خلال إنشاء صندوق الموارد البشرية لمواجهة التطورات في سوق العمل ومشكلاته المتصلة بتوظيف العمالة الوطنية في القطاع الخاص. حيث يستهدف الصندوق تعزيز قدرات القطاع الخاص في تدريب واستيعاب العمالة الوطنية من خلال مشاركة الصندوق للقطاع الخاص في تحمل نسبة من أعباء تكاليف التدريب ورواتب من يتم توظيفهم من الخريجين الجدد في المنشآت الخاصة وذلك إلى جانب تقديم قروض ومنح في هذا المجال وفق الضوابط والمعايير المحددة في لوائح الصندوق (الحميد، 1422هـ).
ثالثا: النظام الأساسي للحكم، مجلس الشورى، نظام جديد لمجلس الوزراء، نظام المناطق حيث صدر النظام الأساسي للحكم والذي فيه أعيدت صياغة معادلة الحكم في البلاد عبر نصوص قوية وثابتة تستمد روحها وجوهرها من الشريعة الإسلامية المطهرة، وتجسد خلاصة التجربة السعودية الطويلة في التعامل مع قضايا الساعة في الداخل والخارج.
كما صدر نظام مجلس الشورى عام 1421هـ ليواكب متطلبات المجتمع وليستمر النظام الذي أرسى قواعده الملك عبد العزيز- طيب الله ثراه- وبدأ المجلس بممارسة مهامه بعد تشكيله الذي يتكون من 60 عضوا ثم زيد إلى 90 عضوا ثم إلى 120 عضوا في عام 1421هـ.
وصدر نظام المناطق في عام 1412هـ ليمنح أمراء المناطق ومجالس المناطق دورا مهما في دعم أغراض التنمية من منظور محلي يأخذ في الاعتبار عن كثب آمال الناس وقضاياهم وتطلعاتهم (السدحان، 1422هـ).
كما صدر في عام 1414هـ نظام جديد لمجلس الوزراء ليحل بذلك محمل نظام عام 1377هـ ومن خلاله ازدادت مهام مجلس الوزراء وتنامى دوره في صناعة القرار السياسي والتنموي.
رابعا: إدارة الأزمات: يمكن التعرف على هذا البعد من خلال التعرض لأزمة احتلال العراق لدولة الكويت عام 1410هـ/1990م حيث أدار خادم الحرمين الشريفين الأزمة من يوم وقوعها إلى أن تم بتوفيق الله خروج المعتدي وعودة الكويت حرة أبية وهو بهذا الأسلوب غطى المراحل الأساسية المعروفة في إدارة الأزمة وهي:
1. 1- مرحلة التلطيف.
2- مرحلة المواجهة.
3- مرحلة إعادة الأوضاع (الشعلان، 1419هـ).

الخلاصة والاستنتاجات
تلعب القيادة دورا مهما في حياة الشعوب والمنظمات، فهي بمثابة الرأس من الجسد، وكلما كانت القيادة واعية وحكيمة ولديها أسس قوية تعتمد عليها كلما كانت فرصها أكبر بتوفيق الله في أن تنجح في مهامها. وإذا انتقلنا إلى الحديث عن شخصية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود نجد أن له شخصية قيادية متميزة لها أبعاد متعددة، وقد تم التركيز في هذه الدراسة على التعرف على البعد الإداري في شخصية خادم الحرمين الشريفين واستتبع ذلك التعرض للخلفية العلمية والعملية لخادم الحرمين ثم التعرض لأربعة محاور رئيسة تدلل على وجود البعد الإداري وهي إنشاء الأجهزة الحكومية والاهتمام بالموارد البشرية الوطنية وسن أنظمة جديدة وإدارة الأزمات. وقد أوضحت تلك المحاور بما لا يدع مجالا للشك أن خادم الحرمين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود يتمتع بحس إداري مرهف وأصيل ولديه القدرة على التعامل مع متطلبات ومستجدات المجتمع الحديثة.
ولعل هذه الدراسة تكون إن شاء الله فاتحة خير لتشجيع الباحثين والكتاب كل فيما يخصه على تقديم الجانب العملي للقادة في المجتمع حتى يتعرف الطلاب والدارسين على أمثلة واقعية من البيئة المحلية ويصبح لديهم بإذن الله التصاق أقوى وأمتن مع قادة مجتمعهم لأنهم يدرسون نظريا ويطبقون عمليا على مجتمعهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق