هل سيؤثر القطاع الخاص في معهد الإدارة؟

كما هو معروف أن الدولة يديرها قطاعان، ولا سيما في الجانب الاقتصادي، فهناك القطاعان العام والخاص، والمقصود بالعام أن الدولة تدير المرافق ومعنية بها، وأغلب هذه المرافق هي عبارة عن خدمية، وأن الدولة عادة لا تبحث عن الأرباح وإن كانت في الآونة الأخيرة بدأت تدير بعض خدماتها اقتصاديا، وبهذا بدأت تعمل بمشاركة مع القطاع الخاص من أجل تقليل التكاليف الملقاة على كاهلها، والمملكة بدأت تنتهج هذا النهج وإدارة بعض قطاعاتها بأسلوب اقتصادي، إلا أن ذلك لا يعفيها من تقديم خدماتها الأساسية كالتعليم والصحة وبجودة عالية.

ومن الملاحظ أن بعض قطاعات الدولة بدأت تدخل في منافسة مع القطاع الخاص، وهذا التنافس لا يخدم المصلحة العامة، بل هو خروج عن الأهداف المرسومة، وعلى سبيل المثال، ما قام به معهد الإدارة العامة بتقديم خدماته للقطاع الخاص عن طريق مركز أعمال أنشئ خصيصا لهذا الغرض، وهذا ما صرح به مدير عام المعهد في جريدة "الاقتصادية" يوم الثلاثاء الموافق 18/12/1429هـ، والحقيقة أن هذه الخطوة أدهشتني, ومنبع الدهشة أمران أولهما أن المعهد أنشئ عام 1961 لتحقيق أهداف الدولة للارتقاء بمستوى موظفي الدولة عن طريق التدريب وتحسين إنتاجيتهم وتطوير البيئة الإدارية في الأجهزة الحكومية، ويعني هذا أن المعهد أوجد لخدمة الأجهزة الحكومية وموظفيها في مجال التدريب والاستشارات.
والأمر الآخر أن المعهد لم يستطع تلبية طلبات موظفي الدولة حتى يفتح المجال للقطاع الخاص، الذي سيدخله في منافسة مع المستثمرين في مجال التدريب والاستشارات الإدارية، إضافة إلى أن ميزانية المعهد يستمدها من الدولة، وبالتالي ليس في حاجة إلى رأسمال حتى يؤدي دوره التدريبي والاستشاري. إن قيام معهد الإدارة العامة بهذه الخطوة سيؤثر بلا شك في عطاء مراكز التدريب الأهلية، والسبب في ذلك الثقة وسمعة المعهد بأن مؤسسة حكومية مجهزة بأحدث الأساليب ومبان عالية الجودة ومدربين ذات كفاءة عالية، فهذا سبب يجعل فوز المعهد بصفقات تدريبية مضمونة، فكما أشار مدير المعهد إلى نجاح المركز في التعاقد مع صندوق الموارد البشرية، الذي أصلا أنشئ ليخدم القطاع الخاص ويؤهل موظفيه، ومن الأهمية أن يذكر أن التدريب لموظفي القطاع العام (الحكومي) يختلف عن تدريب موظفي القطاع الأهلي وإن كان يلتقيان في بعض المهارات.

ومن هذا المنطلق فإنها دعوة للقائمين في معهد الإدارة العامة أن يحصروا النشاطات في تدريب موظفي الدولة، وإذا كان هدفهم زيادة دخل المعهد ماديا، فعليه أن يبحث عن مصدر دخل لرفع ميزانيته، فمثلا يكون التدريب للقطاع الحكومي برسوم تدفعها الجهات المستفيدة، أما بهذه الخطوة فإن ذلك ضربة استثمارية موجعة إلى القطاع الخاص, التي ترعاه المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، وهي الجهة المسؤولة عن صناعة التدريب الأهلي، كما أنه يستطيع استثمار مبانيه في الفترة المسائية وتأجيرها لمراكز التدريب الأهلية.
أخيرا عندما تقوم أجهزة الدولة بمنافسة القطاع الأهلي اقتصاديا، فإن ذلك سينعكس سلبا على الاقتصاد الكلي وعلى المجتمع بأسره لأن هذا سيجعل الثقة بين المستثمر والدولة يشوبها شائب.
د. عبد العزيز بن عبد الرحمن الحسن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق