دور معهد الإدارة العامة في تدريب القوى العاملة في المملكة العربية السعودية








حققت المملكة على مدى أكثر من 40 عاماً من مسيرة التنمية الشاملة العديد من المنجزات التنموية في مختلف الأصعدة، وقبل ذلك وبعده حازت على نجاحات في تهيئة وصناعة الإنسان وبناء المواطن الفاعل، فأحدثت التغيرات الإصلاحية اللازمة في البناء الإداري والتنظيمي لجهاز الدولة على المستويين المركزي والمحلي، وأساليب العمل فيها، والتغلب على المعوقات التي يأتي في مقدمتها قلة القوى الوطنية العاملة المؤهلة، فضلاً عن العديد من الصعوبات والمعوقات التنموية الأخرى.

من هنا انطلقت فكرة إنشاء معهد الإدارة في عام 1380هـ/1960م ليسهم بشكل فاعل في تنمية القوى العاملة الوطنية وفي تدريب أبناء الوطن ودعمهم لبناء وصناعة الفرد السعودي المؤهل القادر على تحمل ومواجهة مسؤوليات وأعباء وتحديات تنمية الوطن، فشارك المعهد بفاعلية في مختلف مسارات التنمية الإدارية في المملكة، وحظي نشاط التدريب الإداري باهتمام ودعم وتشجيع الدولة من أجل تحقيق معدلات مرتفعة من النمو والتطور.

دور المعهد في النهضة الإدارية
لا يزال لمعهد الإدارة العامة منذ تأسيسه دوره الرئيسي في النهضة الإدارية بالمملكة، حيث ساهم بشكل فعال عبر برامجه المختلفة ونشاطاته التدريبية في رفع كفاءة موظفي الدولة، وإعدادهم علمياً وعملياً لتحمل مسؤولياتهم وممارسة صلاحياتهم على نحو كفل الارتفاع بمستوى الإدارة في الأجهزة الحكومية، ودعم قواعد تنمية الاقتصاد الوطني، وتفعيل التنظيم الإداري للأجهزة الحكومية عبر إعداد البحوث والدراسات الإدارية المتعلقة بشؤون الإدارة والتوثيق الإداري، والاستفادة من الروابط العلمية في مجال الإدارة ومستجداتها، إلى جانب عقد المؤتمرات والندوات واللقاءات العلمية وتطبيقاتها في الأجهزة الإدارية المختلفة، إضافة إلى الاستشارات وإصلاح الهيكل الإداري.
تأهيل وتدريب القوى العاملة
ولأهمية بناء المواطن المؤهل والمدرب على أحدث البرامج والنظريات العملية، وضرورة تنمية القوى العاملة المحلية بشكل سليم، اضطلع معهد الإدارة العامة بتصميم وتنفيذ برامج تدريبية وإعدادية تهدف لرفع مستوى الأداء عن طريق زيادة المعارف وتطوير الخبرات وصقل المهارات من خلال عدد من البرامج والفعاليات التي تلبي احتياجات ومتطلبات الجهاز الحكومي وفق متغيرات ومستجدات التدريب الحديث، وطرق وأساليب التدريب والفكر الإداري والممارسة الإدارية الدولية لتمكين الجهاز الحكومي وسوق العمل في المملكة من الاستجابة السريعة والفعالة لمتطلبات وأساليب الإدارة والعمل الحديثة.

مهمة حيوية
وانطلاقاً من هذه المهمة الحيوية والرئيسة دمجت برامج التأهيل وبرامج إعادة التأهيل في المعهد في مسار واحد ليصبح للمعهد بعدان أساسيان لدوره في مجال تنمية القوى العاملة هما التدريب أثناء الخدمة، والتدريب قبل الخدمة الإعدادي، وبينما يهدف التدريب أثناء الخدمة إلى زيادة قدرات الموظفين على رأس العمل وتنمية مهاراتهم لأداء أعمالهم الحالية والمستقبلية، يسعى التدريب الإعدادي إلى إكساب الكفاءات الوطنية ما تحتاجه من مهارات تلبي حاجة سوق العمل بشقيه الحكومي والأهلي.
البرامج التدريبية العامة
تهدف البرامج التدريبية العامة إلى تدريب الموظفين أثناء الخدمة لتطوير مهاراتهم ورفع مستوى إنتاجيتهم وهم على رأس العمل، وقد واصل التــدريب أثنــاء الخدمة في المعهد إنجازاته خلال العقود الأربعة الماضية، وتوسع خلالها كماً ونوعــاً، وتوالى استحداث العديد من البرامج والأنشـطة التي تعتبر مراحل مضــيئة ونقــاط تحـول في تاريخ المعهد المشرق.

البرامج التدريبية الخاصة
وعندما برزت الحاجة لتنفيذ برامج تدريبية خاصة للجهات الحكومية، بادر المعهد بتنفيذ هذا النوع من البرامج خلال العام التدريبي 1383/1384هـ، والبرامج التدريبية الخاصة هي البرامج التي يقوم المعهد بتصميمها وتنفيذها بناء على طلب الجهات الحكومية التي لا يكون لاحتياجهـــا التدريبي خصوصية معينة لا يمكن تلبيتها من خلال البرامج التدريبية العامة.
البرامج العليا
وهي برامج تدريبية موجهة للقيادات الإدارية في الأجهزة الحكومية، ونفذ أول مؤتمر عام في 1387هـ، وفي العام الذي تلاه قدمت أول حلقة تطبيقية، وفي عام 3931هـ عقدت بالمعهد أول ندوة، وقد شهدت البرامج العليا تطوراً مستمراً منذ إنشائها، إلا أن الطلب المتزايد والإقبال على هذا النوع من التدريب من قبل القيادات الإدارية أدى إلى زيادة مطردة في الحلقات التي يقدمها المعهد، ولم يقتصر تقديم الخدمات التدريبية للأجهزة الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص داخل المملكة، بل خارجياً للدول العربية والمنظمات العربية والإسلامية.
البرامج الإعدادية العامة
ومع انطلاقة الخطة الخمسية الأولى عام 1390هـ وما صاحبها من توسع في الجهاز الحكومي برزت الحاجة إلى إعادة تأهيل وإعداد الكفاءات الوطنية من خريجي الجامعات وحملة الشهادة الثانوية العامة لدعم جهود التنمية والسعودة لسد احتياجاته الملحة، فبادر المعهد عام 1391هـ بتنفيذ ثلاثة برامج إعدادية هي برنامج دراسات الأنظمة، وبرنامج الإدارة الجمركية، وبرنامج الدراسات المالية، وقد شهدت البرامج الإعدادية تطوراً يتلاءم مع احتياجات الأجهزة الحكومية وسوق العمل من خلال توفير قوى عاملة مدربة ومؤهلة لسد جانب من العجز في الكفاءات الوطنية المتخصصة بأجهزة الدولة ومؤسسات القطاع الخاص.
البرامج الإعدادية الخاصة
ومع اكتمال بناء الجهاز الإداري والتجهيزات الأساسية وإيجاد بنية تحتية متكاملة في المملكة، برزت الحاجة لتأهيل الكفاءات الوطنية وتمكينهم من العمل في القطاع الخاص، وقد بدأ المعهد في عام 1411هـ واستجابة للتوجيهات السامية بتنفيذ برامج إعدادية موجهة بشكل أساسي لخدمة القطاع الخاص بغرض المساهمة في جهود السعودة وتأهيل الكوادر الوطنية في بعض التخصصات الإدارية التي يحتاجها هذا القطاع الهام، واعتمد في ذلك على دراسة لسوق العمل تمخضت عن تصميم عدد من البرامج الإعدادية في مجالات الأعمال والإدارة البنكية والتسويق والمبيعات والتأمين والإدارة الفندقية والسفر والسياحة والمحاسبة التجارية، كما قام المعهد بتكييف عدد من البرامج الإعدادية التي كانت موجهة بشكل أساسي للقطاع الحكومي لتتناسب مع احتياجات القطاع الخاص كإدارة المستشفيات والسكرتير التنفيذي والحاسب الآلي والنسخ.
ويسعى معهد الإدارة العامة لتلبية الاحتياجات التدريبية الخاصة لعدد كبير من الأجهزة الحكومية التي ترغب في تأهيل أو إعادة تأهيل عدد من موظفيها لتطوير أدائهم في مجال وظيفي معين وذلك بهدف تلبية الاحتياجات التدريبيـة ذات الطبيعة المستجدة أو المطورة للأجهزة الحكومية، وينفذ لهذا الغرض عدد من البرامـج الإعداديــة الخاصة لعدد من الأجهزة الإدارية، وتتميز هذه البرامج بكونها طويلة المــدى حيث تصل مددها إلى عامـين تدريبيين، ويحصل الدارس بعد تخرجه منها على شهادة دبلوم متخصصة أســوة بنظرائه المتخرجين من البرامج الإعدادية الأخرى التي يقدمها المعهد.


دور المعهد في تخريج الكفاءات
لقد أثمرت جهود معهد الإدارة العامة المتواصلة في إعداد الشباب السعودي لسد احتياجات الدولة الملحة من القوى العاملة الوطنية وتخريج عدد كبير من الكفاءات السعودية المؤهلة في المجالات الإدارية، وفي تقليل الاعتماد على العمالة الوافدة إلى حد ما في سوق العمل، لاسيما في مجالات إدارية محددة كالسكرتارية والنسخ والأعمال الإدارية المساندة، وفي اتساع دائرة استخدام التقنية الحديثة وآلياتها المختلفة في تطبيق إجراءات العمل في الأجهزة الحكومية عبر ما قدمه المعهد من دراسات استشارية في مجالات الحاسب الآلي ونظم الاتصالات والمحفوظات والوثائق ونظم المستودعات، وما أتاحه للأجهزة الحكومية من فرص نقل واستخدام البرامج الحاسوبية التي صممها وطبقها بنجاح في مجال شؤون الموظفين والشؤون المالية وأرشفة الوثائق، إلى جانب دعم مسارات البحث العلمي المحلي التي تخدم الباحثين السعوديين من مختلف المناطق في الاتصال بقواعد المعلومات العالمية عبر أكثر من ألف وستمائة دورية علمية بنصوصها كاملة، حيث تعد هذه خطوة مهمة في مجال استخدام التقنية، وتأسيـــسه شبكة معلومات داخلية وخارجية متطـــورة جداً تتيح لكل عضو هيئة تدريب التفاعل السريع مع مصادر المعلــومات، إلى جانب العديد من البرمجيات التي يعمل معهد الإدارة العامة على تصميمها وتطبيقها في المستقبل القريب لتمكين جميع المستفيدين من خدمة الاتصال الإليكتروني والاستفادة من نشاطاته عن بعد.

برامج القدرة الواحدة
وضمن توجه المعهد لتطوير برامجه التدريبية بدأ اعتباراً من العام التدريبي 1425/1426هـ تنفيذ برامجه التدريبية الجديدة التي تحول فيها المعهد إلى برامج القدرة الواحدة بعد إخضاعها إلى تجربة تنفيذ جزئي خلال الفصلين التدريبيين الماضيين في كل من المركز الرئيسي للمعهد وفروعه إضافة إلى بعض مناطق المملكة، وقد نفذ المعهد خلال العام الأول للتطبيق 300 برنامج تدريبي جديد استهدفت تدريب عشرين ألف موظف من مختلف الأجهزة الحكومية.
ويأتي هذا التحول استجابة لمتغيرات مرحلة التنمية الوطنية في مختلف أوجهها، ومن بينها تطور مستوى التعليم والتنمية الإدارية في المملكة، إلى جانب الرغبة في مواكبة التجربة الدولية في مجال التدريب والاستجابة إلى التحولات الدولية الجديدة، وتغطية جميع الاحتياجات التدريبية التي تتطلبها المرحلة القادمة لكي تتواءم مع ما يعيشه العالم اليوم من تغيرات متسارعة ونقلات نوعية في صناعة التدريب، وقد ظهرت هذه الفكرة كنتاج لدراسات تقييمية مستفيضة أجراها المعهد لمجمل برامجه التدريبية بمشاركة نخبة من المسؤولين في الجهات الحكومية والقطاع الأهلي والغرف التجارية الصناعية والجامعات.
وتتميز البرامج التدريبـــية المطــــورة بالتركيز على قدرة واحــدة أثناء فترة التدريب مما يساهم في استثمار وقت المدرب والمتدرب بشكل فعال، إلـــى جـــانب تحقيق درجة عالية من التجانس بين المتدربين من حيث المستوى الوظيــفي والخبرة، وتحقيق مزيد من الاستجابة لاحتياجات الأجهزة الحكومية، مع إمكـــانية تنفيذ هذه البرامج لدى الجهات المستـــفيدة خارج مقر المعهد وفروعه، إضافـــة إلى تقليص مدد البرامج مما يشجـــع الجهات على ترشيح موظفيها، كــما أن الأسلوب الجديد الذي انتهجه المعهــد في عملية ترشيح المتدربـين يعد خطــوة مهمة في التوجه نحو تطبيـق مفهوم الحكومة الإلكترونية، حيث تتم إجـــراءات القبـــول من ترشيح وإشعار بالقبول أو التأجيل بطريقة آلية عن طريق موقع المعهد على شبكة الإنترنت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق